هذه المقالة هي الجزء الثاني من مقال للاستاذ اورخان محمد علي في موقع تايم تورك
عندما دخل الإنجليز إلى اسطنبول محتلين في 13 تشرين الثاني من عام 1919م،أثاروا القضية الأرمنية فقاموا بالقبض على 140 شخصا من السياسيين والمفكرين الأتراك بتهمة مسئوليتهم في القضية الأرمنية ونفوهم إلى جزيرة مالطة تمهيدا لمحاكمتهم باعتبارهم من مجرمي الحرب. ولكن كان من الضروري العثور على الوثائق والأدلة في هذا الصدد.قأرسل الأميرال الإنجليزي ( ويب) برقية إلى حكومته قال فيها :
( يجب إعدام جميع الأتراك كي تشمل العقوبة جميع من ظلموا الأرمن ، ويجب أن تكون العقوبة عقوبة للأمة عن طريق تمزيق الإمبراطورية التركية، وعقوبة للأشخاص عن طريق محاكمة كبار المسئولين كي يكونوا عبرة لمن اعتبر).
ولكن حكومة اسطنبول برئاسة توفيق. باشا بادرت بطلب من الحكومة البريطانية وهو أن تجري المحاكمة أمام محكمة دولية يكون حكامها من الدول المحايدة مثل اسبانيا وسويسرة.
قلقت بريطانيا من هذا الطلب فقامت - وهي الدولة العظمى آنذاك والدولة المنتصرة – بإجراء ضغوط سياسية على هذه الدول المحايدةالتي اضطرت في النهاية الامتناع عن ترشيح حكام منها لهذه المحكمة المقترحة. ثم قامت بريطانيا بخطوة ثانية وهي إضافة الحكم الآتي إلى المادة رقم 230 من معاهدة سيفر :
( تتعهد الحكومة العثمانية بتسليم المسئولين عن المجزرة إلى الحلفاء.وإن إختيار الحكام من صلاحيات الحلفاء ، والحكومة العثمانية ملزمة بالاعتراف بهذه المحكمة ) ...
كان هذا هو منطق القوة التي تملي شروطها على المغلوب.
شكلت محكمة عسكرية بريطانية في باطوم لمحاكمة هؤلاء المتهمين. ولكنها لم تستطع إصدار أي حكم لعدم وجود أي دليل أو وثيقة تدينهم،أو تشير إلى وقوع عملية التطهير العرقي ضد الأرمن. وبينما كانت الحكومة البريطانية تبذل كل ما في وسعها للعثور على دليل قامت البطريركية الأرمنية في اسطنبول بتقديم ملف لهذه المحكمة حول ( مائة من المجرمين الأتراك ). ولكن بعد التدقيق تبين أن هذا الملف لا يحتوي على دليل واحد ضد الأتراك.ثم قام البريطانيون بقلب الأرشيف العثماني الموجود في اسطنبول وتدقيقه للعثور على الأدلة المطلوبة فلم يصلوا إلى شيء.ثم راجعوا دور الوثائق البريطانية فواجههم الفشل مرة أخرى.وخطر على بال الحاكم العام البريطاني الاستفادة من الوثائق الأمريكية فكتب إلى اللورد كرزون في لندن قائلا ) لا شك أن بحوزة الحكومة الأمريكية أعدادا وافرة من الوثائق حول المجزرة).
أرسل الطلب إلى الحكومة الأمريكية، وبعد بحث وتمحيص جاء الجواب من السفارة البريطانية في واشنطن مخيبا لآمالهم: ( لم يعثر على أي أدلة ضد الأتراك في دوائر الوثائق الأمريكية).
بعد هذا الفشل أرسل المدعي العام الأول البريطاني الخطاب الآتي في 29/9/ 1921م :
( ليس لدينا أي حظ في إمكانية الحكم على المنفيين في مالطة).
في هذه الأثناء كانت حرب الاستقلال التي دخلت فيها تركيا بقيادة حكومة أنقرة تسجل الانتصار تلو الانتصار،فأرسلت هذه الحكومة طلبا إلى الحكومة البريطانية لاطلاق سراح المنفيين إلى مالطة مقابل إطلاق سراح بعض الأسرى البريطانيين عندها. وتم التوقيع فعلا على اتفاقية بهذا الخصوص، حيث تم إطلاق سراح هؤلاء.
الوثائق الروسية
جاء في دائرة المعارف الكبيرة للاتحاد السوفيتي ( طبعة 1926م )ما يأتي حول هذه القضية :
( إذا نظرنا للمشكلة الأرمنية من المنظور الخارجي رأينا أنها ليست سوى محاولة القوى الكبرى إضعاف تركيا وذلك بمعاونة ومساعدة القوى الانفصالية فيها لكي تتيسر لها سبل استغلالها وامتصاص خيراتها. هذه القوى الكبرى كانت عبارة عن الدول الأوروبية الكبرى وروسيا القيصرية. ولم تكن الحوادث التي جرت عبارة عن وقوع مذبحة، بل مجرد وقوع قتال بين الطرفين ).
رأي المؤرخين المعاصرين
والآن ما رأي المؤرخين المعاصرين حول هذه القضية ؟ هل كانت هناك حركة تطهير عرقي ضد الأرمن ؟
في شهر مايس من عام 1985م نشر ( اتحاد الجمعيات التركية – الأمريكية Assembly of Turkish American Associations ) بيانا في جريدتي ( نيويورك تايمز) و ( واشنطن بوست ) موقعا عليه من قبل 69 مؤرخا ومختصا في التاريخ العثماني وشؤون الشرق الأوسط نفوا فيه وقوع أي عملية تطهير عرقي للأرمن من قبل الأتراك خلال أعوام 1915 – 1923م وكان من ضمن الموقعين على البيان :
البروفيسور برنار لويس، البرفيسور هيث لوري، البروفيسور جوستن ماك آرثي،
البروفيسورآلان فيشر، البروفيسور رودريك داوفسين، دانكوودت روستو، تيبور هالاسيكون، ستانفورد شو،فرانك تاجو، بيير أوبرلنك....وغيرهم من أشهر العلماء والمؤرخين .
ولكن الأرمن قاموا بعد هذا الإعلان بحملة تهديد وإرهاب ضد هؤلاء العلماء وهددوهم بالقتل وقدموا بعضهم للمحاكم ( مثل برنارد لويس).ونجحت هذه الحملة في إرهاب معظم هؤلاء فلم يعودوا يتطرقون إلى هذا الموضوع.وإن بقي بعضهم لا يخشى من سرد آرائه مثل البروفيسور جوستن ماك آرثي والبروفيسور برنارد لويس .والمؤرخ البريطاني أندرو مانكو.
وحسب بعض الإحصائيات قام الأرمن خلال ثمانين عاما بكتابة ما يقارب ( 26 ) ألف كتاب بجميع اللغات العالمية حول ما أطلقوا عليه اسم ( التطهير العرقي الذي تعرض له الأرمن من قبل الأتراك ).أي قاموا بعملية غسيل دماغ ناجحة جدا في أوروبا وفي أمريكا.
ومع أن المكان الطبيعي لمناقشة مثل هذه الأمور هو محكمة لاهاي الدولية،حيث يمكن هناك تقديم القضية مع أدلتها التاريخية _ إن كانت موجودة – فإن الأرمن يتهربون دائما من هذا ويتجنبونه،لأنهم يعلمون أنهم لا يملكون أي وثيقة تاريخية في هذا الصدد، لذا نراهم يفضلون القيام باللعب السياسية والضغط السياسي في المجالس البرلمانية من قبل اللوبيات الأرمنية القوية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا، مع أن المجالس النيابية والبرلمانات ليست أماكن تحسم فيها القضايا التاريخية وتقدم فيها الوثائق والأدلة.وليس النواب أشخاص مؤهلين لمناقشة التاريخ وإصدار الأحكام حول الحوادث التاريخية، فهم ليسوا بأهل اختصاص في هذا الموضوع.وقد تبين هذا المر بكل وضوح في النقاش التلفيزيوني الحي الذي جرى يوم 25/1/2001 في قناة ( شو Show) التركية بين مؤرخين ومفكرين أتراك وبين أربعة من الفرنسيين الذين ساندوا قرار الاعتراف بوقوع تطهير عرقي للأرمن واستمر النقاش ما يقارب خمس ساعات وقد تبين أن هؤلاء النواب يجهلون التاريخ تماما وأن معلوماتهم معلومات صحفية وسطحية . وعندما طلب المذيع أن يبرز أي واحد منهم وثيقة تاريخية حول وقوع هذا التطهير العرقي عجزوا عنه وبرروا العجز بأنهم ليسوا مؤرخين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق