ازدادت خلال العقد الماضي الدعوات إلى الحوار بين الأديان، كما شهدت جهود التبشير إلى الديانة المسيحية طفرة كبيرة.
ويجد المتخصص نفسه أمام واجب تعريف الناس عامة والنخب -ممن ليس لديهم إلمام بمثل هذا الموضوع- خاصة، بأهمية التعرف على ثقافة الآخر ومعتقداته، فإذا كان علينا أن نتحاور مع الآخر من ناحية، فإنه يتوجب علينا توفير هذه المعرفة التي تنير طريق من يتصدى للحوار.
ويمكن النظر إلى ما نقدمه عبر هذه الأسطر على أنه شكل من أشكال تبسيط العلوم، ونقصد هنا علم دراسة الاتجاهات النقدية للكتاب المقدس عامة وللعهد القديم على وجه الخصوص.
ألف باء الكتاب المقدس
يتكون الكتاب المقدس من قسمين كبيرين هما العهد القديم والعهد الجديد؛ وبينما يعد العهد القديم وحده المرجعية الدينية لليهود إلى جانب التلمود، فإن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد هو المرجعية الدينية للمسيحيين في العالم.
وتسمية العهد القديم هي تسمية مسيحية في الأساس بدأت عندما صار للمسيحيين كتابهم المقدس الذي سموه "العهد الجديد"، ومن ثم فقد أطلقوا على الأسفار القديمة التي اعتقد اليهود في قدسيتها اسم "العهد القديم"، وكان ذلك حوالي عام 200 م.
وقد رفض اليهود بالطبع هذه التسمية؛ لأنها كانت تعني أن كتابهم المقدس أصبح في محل النسيان بعد ظهور العهد الجديد. لكن على كل حال فقد أصبحت تسمية العهد القديم والعهد الجديد شائعة الاستخدام إلى الدرجة التي تجعل من الصعب تجاوزها.
ويتكون العهد القديم من ثلاث مجموعات أساسية هي:
التوراة وتتضمن خمسة أسفار هي: (التكوين والخروج والعدد واللاويين والتثنية)، ويطلق عليها الباحثون تسمية "أسفار موسى الخمسة"؛ حيث ينسب التراث اليهودي واللاهوتيون المحافظون كتابة هذه الأسفار إلى موسى عليه السلام.
والمجموعة الثانية هي: الأنبياء، وهذه تشتمل على مجموعتين فرعيتين هما: الأنبياء الأوائل وتتضمن ستة أسفار هي: (يشوع والقضاة وصموئيل الأول وصموئيل الثاني والملوك الأول والملوك الثاني)، ويطلق أيضا عليها اسم "الأسفار التاريخية"؛ إذ إنها تغطي تاريخ بني إسرائيل القديم منذ موت موسى عليه السلام وحتى ما بعد عام 586 ق.م. بقليل.
والأنبياء الأواخر وتتضمن خمسة عشر سفرًا هي: (إشعيا، إرميا، حزقيال، هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونا، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا، ملاخي).
أما المجموعة الثالثة فهي المكتوبات وتتضمن ثلاثة عشر سفرا هي: (المزامير، أيوب، الأمثال، راعوث، نشيد الأناشيد، الجامعة، المراثي، إستير، دانيال، عزرا، نحميا، أخبار الأيام الأول، وأخبار الأيام الثاني)؛ وبالتالي فإن مجموع هذه الأسفار يصل إلى تسعة وثلاثين سفرا.
وقد نشأ حول هذه الأسفار أدب نقدي منذ أقدم العصور، وأسهم الجدال الذي دار بين أحبار اليهود في عصر كتابة التلمود (بداية من القرن الثاني الميلادي) إلى تأسيس بدايات هذا النقد، وخلال العصر الإسلامي قدم المسلمون إسهامهم الكبير بداية من ابن قتيبة وعلي بن ربن في القرن التاسع، وبلغ النقد الإسلامي ذروته من خلال أعمال ابن حزم الأندلسي في كتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل" وتبعه السموأل المغربي، وتأثر اليهود في الأندلس بهذه الأعمال النقدية فنشأ لديهم أدب نقدي حول العهد القديم أيضا (من القرن الحادي عشر وحتى القرن الثالث عشر).
وخلال العصر الحديث شهد علم نقد العهد القديم طفرة كبيرة بدأت منذ أواخر القرن السابع عشر على يد الفيلسوف اليهودي الهولندي باروخ سبينوزا. لكن الخطوات الأكبر بدأت خلال القرن التاسع عشر مرورًا بالقرن العشرين؛ حيث تنوعت وتعددت مناهج ومدارس نقد العهد القديم على يد الباحثين الغربيين الذين اتهموا بالكفر والفسق من قبل المؤسسات الدينية المسيحية.
النقد اليهودي للعهد القديم
هناك نصوص في العهد القديم وردت أساسًا لكي تعدل أفكارا قديمة وردت في نصوص العهد القديم الأقدم زمنا؛ ومن بين الأمثلة على ذلك ما جاء في سفر الخروج 34: 7 والذي يتحدث عن أن الأبناء يتحملون ذنوب الآباء، وهذا الأمر يمتد إلى أربعة أجيال "مفتقد إثم الآباء في الأبناء وفي أبناء الأبناء في الجيل الثالث والرابع"، وهذا النص هو نص قديم جاء حزقيال فيما بعد ليعدله، وليتحدث عن مسئولية كل واحد عن أعماله وحده، وأنه لا يحاسب سوى عما اقترفت يداه "النفس التي تخطئ هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون" (حزقيال 18: 20)، وهذا الأمر هو إعمال لمبدأ المسئولية الفردية.
وينظر الدارسون للعهد القديم إلى هذه الإشارة وغيرها على أنها شكل من أشكال نقد العهد القديم التي وردت داخل العهد القديم نفسه؛ حيث حرص الأنبياء المتأخرون على تنقيح الرؤى القديمة وتعديلها.
وقد أشار التلمود إلى محاولات مبكرة لإخفاء بعض الأسفار قام بها جامعو أسفار العهد القديم الذين حرصوا على توحيد النظرة الدينية للعديد من الأمور مثل فكرة الألوهية، والسعي لتوحيد مفهومها. وهؤلاء وجدوا أن بعض الأسفار تعرض رؤية مخالفة عن الإطار العام لأسفار العهد القديم، ومن ثم فقد سعوا إلى إخفاء بعض الأسفار، ومنها ما قيل عن محاولة إخفاء سفر حزقيال لمخالفته نصوص التوراة، أو إخفاء سفري الجامعة ونشيد الأناشيد لمخالفتهما لروح العهد القديم ككل.
وقد اجتهد علماء اليهود الذين أنيطت بهم عملية تثبيت نص العهد القديم وفحصه وإقراره، وهؤلاء أطلق عليهم تسمية (أصحاب الماسورا "أي القائمين على إيجاد نص معتمد")، وقد بدأت جهودهم في فلسطين منذ القرون الأولى للميلاد، ولكن لما تبنى الرومان الديانة المسيحية نظروا لليهود على أنهم المسئولون عن صلب المسيح عليه السلام -حسب الاعتقاد المسيحي بالطبع- ومن ثم بدأ اليهود يتعرضون للاضطهاد فاضطروا للانتقال إلى بابل، وكانوا قد أسسوا بها من قبل مدارس يهودية أكاديمية للاهتمام بالعهد القديم، ومع الحكم الإسلامي عادوا من جديد إلى فلسطين في منتصف القرن السابع الميلادي، حيث أحيوا مدارسهم الأكاديمية هناك (خاصة في طبرية).
وقد رأى هؤلاء أن من واجبهم إدخال تعديلات على النص إذا ما تطلب الأمر، وهذه التعديلات كانوا يضعونها على الجوانب الأربعة للصفحة التي تحوي النص (أعلى وأسفل وعلى الجانبين)، وكان هذا يتم بناء على ما يتوفر لديهم من نسخ أخرى. وفي هذا الإطار نشأ ما يعرف بالمقروء والمكتوب. فما هو المقروء والمكتوب؟
المقروء والمكتوب
هو عبارة عن كلمات كان أصحاب الماسورا يرون أنها في حاجة إلى تعديل، فكانوا يضعون هذا التعديل في الهوامش ويتركون النص كما هو، مع توضيحهم أن الكلمة داخل النص تكتب فقط، ويُقرأ بدلا منها الكلمة التي وضعوها في الهامش.
وكان أصحاب الماسورا يضطرون لعمل هذه التعديلات في حالات محددة منها:عندما يشعرون أن الكلمة الواردة في النص الأصلي ليست كلمة مهذبة، يستبدلونها في الهامش بكلمة أكثر تهذيبا لتقرأ بدلا من الكلمة الأصلية: وذلك كاستخدام كلمة "الانتهاك" بدلا من "الجماع"، وكاستخدام كلمة "عذرة" (بكسر العين) بدلا من "براز"، وكاستخدام كلمة "ماء أرجلهم" بدلا من "بولهم".. وهكذا.
أو عندما يجدون كلمات غير معتادة بسبب زيادة أحرفها أو نقصانها، فكانوا يضعون الصورة الصحيحة للكلمة في الهامش حتى تُقرأ بدلا من الكلمة غير الواضحة. وقد يجدون كلمات اختلط ترتيب أحرفها، أو التصقت كلها بكلمة أخرى، أو وضع حرفها الأخير ملتصقا مع الكلمة التالية، أو قد يضعون كلمة مختلفة تماما؛ لأنهم يظنون أن الكلمة الأصلية داخل النص لم تكتب في الأصل بصورة صحيحة بسبب تشابه بعض الأحرف في اللغة العبرية. وهذا قد يغير المعنى تماما، مثل استخدام كلمة "فناء أو ساحة" بدلا من "مدينة".
وهناك حالة أخرى؛ وهي عندما يشعرون أن النص الأصلي تنقصه كلمة؛ فكانوا يضعون هذه الكلمة في الهامش، ويتركون مكانها في النص خاليا حتى يتعرف القارئ على موضع قراءتها، وربما توجد كلمة في النص لكنهم لا يقرءونها. ويتراوح عدد حالات المقروء والمكتوب في العهد القديم ما بين 1300 و 1500 حالة.
وقد حاول العلماء تفسير أسباب هذه الظاهرة، وظهرت في ذلك عدة اقتراحات، منها القول بأن أصحاب الماسورا وضعوا ملاحظات تعسفية لتعديل النص في الهامش حتى تكون مقروءة، بينما رأى آخرون أن أصحاب الماسورا اتفقوا على مخطوطة واحدة هي النص الأصلي، أما المقروء الذي وضعوه في الهامش فهو عبارة عن الاختلافات التي عثروا عليها في المخطوطات الأخرى، وهناك رأي ثالث يقول إن هذه الظاهرةنشأت نتيجة التوفيق بين مخطوطات متعددة للعهد القديم.
ويمكن رد العديد من الأخطاء التي تشير إليها هذه الظاهرة إلى عوامل مختلفة: مثل تدني مستوى من كانوا يقومون بعملية الإملاء والتدوين، وردها أيضا إلى رداءة أدوات الكتابة ونوعية الورق والأحبار.
ويلاحظ المتخصصون في اللغة العبرية القديمة أن العديد من المقترحات التي وضعت لتوضيح كلمات غير مفهومة لم تحل المشكلة بل أبقتها مبهمة كما هي.
وإذا كان العهد القديم قد ترجم إلى كل اللغات تقريبا، فإن السؤال المهم هنا، هل كان المترجمون يتعاملون على أساس المقروء أم على أساس المكتوب؟
وتظهر أهمية التساؤل هنا في أنه في كلتا الحالتين فإننا أمام قضية ليست بالهينة؛ فالترجمة على أساس المكتوب (أي المتن) تعني وجود أكثر من قراءة للعهد القديم، بمعنى أن الترجمة تكون قد اعتمدت على المتن فقط بما فيه من أخطاء وقع فيها النساخ قديما.
أما إذا كانت الترجمة على أساس المقروء (أي الملاحظات المدونة في الهامش) فإن ذلك يعني إهمال ما دون ما في المتن والأخذ بتعديلات النساخ.والظاهر أن أكثر الترجمات كانت أحيانا تترجم حسب المكتوب، وأحيانا حسب المقروء، بما في ذلك الترجمات العربية للعهد القديم.
ويظهر من الحديث عن المقروء والمكتوب أننا بصدد عمل نقدي، قام به أصحابه لتصويب ما رأوه غير صائب داخل النص، كما يظهر من العديد من الشواهد عدم الدقة، وأحيانا قلة كفاءة من يقومون باعتماد كتاب ديني بهذا المستوى من الأهمية، وربما وصل الأمر في بعض الأحيان إلى عدم الأمانة الكافية في التعامل مع النص عندما يضعون تغييرات تعسفية كما أشرنا.
النقد اليهودي في التلمود
ركز كتاب التلمود جل اهتمامهم على تفسير العهد القديم وليس نقده، فتنوعت تفسيراتهم بين الإسهاب والاختصار، وتم وضع قواعد عامة للاعتماد عليها عند تفسير العهد القديم. وهذا الاهتمام أدى إلى صرف التفكير عن الاختلافات الموجودة داخل أسفار العهد القديم، وبالتالي فإن الأسئلة التي تتناول زمن تأليف الأسفار، ومن كاتب كل سفر، أو من جمع أجزاء السفر المتفرقة؟ هذه الأسئلة وغيرها لم يتم طرحها.
وعلى هذا الأساس يمكن القول إن مؤلفي التلمود وكتابه لم يطوروا أي إحساس نقدي تجاه العهد القديم. لكن هذا الأمر شهد تحولا في كتابات التلمود المتأخرة؛ حيث بدأت هذه الأسئلة في التطور، لكنها لم تكن تطرح بهدف نقدي بل من أجل التعرف على كتاب الأسفار فحسب.
ومفاد بعض هذه الآراء أن موسى لم يؤلف سوى أجزاء محدودة من أسفار التوراة الخمسة وليس كل التوراة حسبما يعتقد اليهود عامة.
وإذا كان أصحاب الماسورا قد نسبوا كتابة أسفار (الأمثال ونشيد الأناشيد والجامعة) إلى سليمان عليه السلام أي في القرن العاشر ق.م. فإن كتابات تلمودية أرجعت كتابة هذه الأسفار إلى القرن السادس ق.م. وليس العاشر.
كذلك تحدثت كتابات تلمودية عن أن داود لم يؤلف سفر المزامير كله (عكس ما هو سائد في التراث اليهودي)، بل ألفه عدد من الشيوخ إلى جانب داود في أزمنة مختلفة وأجيال متتالية.
وتشير بعض الآراء التلمودية إلى أن بعض الأسفار ليست من كتابة شخص واحد، واستدلوا على ذلك بأن بعض الفقرات في سفر ما قد لا تتناسب مع المضمون العام للسفر، أو لا تتناسب مع فقرة أخرى من الفقرات؛ مثل قولهم إن ما جاء في سفر ناحوم 1: 2 والتي تقول: "الرب إله غيور ومـنتقم. الرب منتقم وذو سخط، الرب منتقم من مبغضيه وحافظ غضبه على أعدائه" لا تتناسب مع ناحوم 1: 3 التي تقول: "الرب بطيء الغضب وعظيم القدرة ولكنه لا يبرئ البتة.الرب في الزوبعة وفي العاصف طريقه والسحاب غبار رجليه". وقالوا إن من كتب الأولى لم يكتب الثانية.
وفي إطار تعاملهم مع مضمون الأسفار تحدث كتّاب التلمود عن أن إرميا لم يكتب الإصحاح الأخير (الإصحاح أي الفصل) من سفره المسمى "سفر إرميا" والذي ينسب تأليفه كاملا إلى إرميا في التراث اليهودي، وذلك بسبب اختلاف مضمون هذا الإصحاح عن باقي السفر.
وإذا كان التراث اليهودي ينسب تأليف سفر إشعيا للنبي إشعيا بن آموص الذي عاش في القرن الثامن ق.م. فإن بعض علماء التلمود اليهود قالوا إن إشعيا لم يكتب الفقرتين 19 ـ 20 من الإصحاح الثامن، بينما هناك آراء تلمودية أخرى تقول بأن إشعيا لم يكتب شيئا في هذا السفر في أي إصحاح من إصحاحاته الـ (66).
علماء التلمود وتناقضات العهد القديم
ولعلماء التلمود دور بارز أيضا في إظهار وإبراز العديد من التناقضات في العهد القديم؛ ومنها مثلا:
حديثهم عن وجود تناقضات في قصة الخلق الواردة في الإصحاحين 1 ـ 2 من سفر التكوين؛ فقد تحدث فريق عن أن الله خلق السماء أولا معتمدين على التكوين 1: 1 وهي تقول: "في البدء خلق الله السماوات والأرض"، بينما قال فريق آخر إن الله خلق الأرض أولا معتمدين على التكوين 2: 4 حيث جاءفيه: "هذه مبادئ السماوات والأرض حين خلقت. يوم عمل الرب الإله الأرض والسماوات".
حديثهم عن تضارب بعض التفاصيل عند الاحتفال بعيد الفصح؛ فالأمر في سفر الخروج 23: 15 جاء "سبعة أيام تأكل فطيرا"، بينما جاء الأمر الإلهي في سفر التثنية 16: 8 "ستة أيام تأكل فطيرا".
التناقض بشأن المسئولية الفردية؛ حيث جاء في سفر الخروج 34: 7 "مفتقد إثم الآباء في الأبناء" بينما في التثنية 24: 16 جاء "لا تموت الأبناء عن الآباء"
هناك أيضا تضارب في بعض الروايات التاريخية؛ مثل الحديث عن أن "بعشا" ملك إسرائيل حارب مملكة يهوذا السادس والثلاثين من بداية حكم الملك "آسا" ملك يهوذا (1) وهذا ما ورد في سفر أخبار الأيام الثاني 16: 1، حيث جاء "في السنة السادسة والثلاثين من ملك آسا صعد بعشا ملك إسرائيل على مملكة يهوذا وبنى مدينة الرامة".
أما ما جاء في سفر الملوك الأول 16: 8 فيشير إلى موت بعشا ملك إسرائيل في العام السادس والعشرين من حكم آسا ملك يهوذا، أي أنه مات قبل عشر سنوات من التاريخ المذكور في سفر أخبار الأيام "في السنة السادسة والعشرين من ملك آسا تولى أيلة بن بعشا حكم مملكة إسرائيل".
والمثال الأغرب في التناقضات التاريخية هو ما أشار إليه التلمود من تناقض بين ما جاء عن الملك يهورام ملك يهوذا في سفر الملوك الثاني 8: 17؛ حيث جاء عنه: "كان ابن اثنتين وثلاثين سنة حين بدأ ملكه، وملك ثمان سنين في أورشليم" أي أنه مات في سن الأربعين، أما ما جاء في سفر أخبار الأيام الثاني 22: 2 فيتحدث عن أحزيا ابنه الذي بدأ حكمه بعد وفاة أبيه "كان (أحزيا) ابن اثنتين وأربعين سنة حين بدأ ملكه، واستمر ملكه سنة واحدة".
وقد تعجب علماء التلمود من ذلك وتساءلوا: كيف يكون الابن أكبر من أبيه بسنتين؟ والأرجح أن هناك خطأ في سفر أخبار الأيام بهذا الشأن.
وقد تعددت النماذج التي طرحها علماء التلمود عن التناقضات داخل أسفار العهد القديم. وبشكل عام لا يمكن القول إن علماء التلمود استطاعوا وضع منهج نقدي عن العهد القديم، وذلك برغم آرائهم النقدية هذه.
أما علماء اليهود في العصر الوسيط فقد كانت لهم جهود كبيرة أيضا في نقد العهد القديم أخذت أشكالا متعددة.
(1) - مملكتي إسرائيل ويهوذا هما مملكتان لبني إسرائيل، وقد وجدتا بعد موت سليمان عليه السلام؛ حيث انقسمت مملكة سليمان إلى مملكتين: إحداهما في الجنوب وهي يهوذا، والأخرى في الشمال وتسمى إسرائيل أو السامرة.
كاتب المقال د. أحمد عبد المقصود الجندي مدرس دراسات العهد القديم- كلية الآداب ـ جامعة القاهرة
مقال منقول من موقع اسلام اون لاين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق