البروفيسور أكرم باموقجي ـ انقرة
ترجمة : نصرت مردان
كان العصر العباسي، مثل كل العصور الحضارية في تاريخ العراق، منذ بابل ونينوى، متميز بالانفتاح الثقافي على مختلف الشعوب والاديان المنضوية تحت راية الامبراطوية العباسية. فقد اصبحت بغداد، مثل سابقتها بابل، اشبه بالبحر الفضاض الذي تصب فيه ما لا يحصى من الانهر القادمة من كل المناطق القريبة والبعيدة، من تركستان والهند وافغانستان وايران والقفقاس والاناضول والشام ومصر وجزيرة العرب، بل حتى من اوربا وشواطئ البحر المتوسط. وقد تجلها هذا الانصهار ليس فقط بالناحية الثقافية بل ايضا بالنواحي الانسانية من خلال التزاوج. وقد بدأ هذا التزاوج المتعدد الاعراق بين الناس في الحواضر العراقية، اولا بين العراقيين الاصليين(الموالي) مع العرب المسلمين الفاتحين.. ثم اتسع هذا التزاوج ليشمل مختلف الجماعات الجديدة التي جلبهم العباسيون، ومن اهم الاتراك الذي اتوا اولا كمحاربين للدفاع عن الخلافة ثم كقبائل مهيمنة مشاكرة في قياجدة السلطة مثل السلاجقة. وهذا التزواج الذي كان في بدايته بين ابناء العامة، اتسع ليشمل الطبقة العليا والخلفاء انفسهم. بحيث ان الغالبية الساحقة من خلفاء بغداد هم من امهات غير عربيات، والكثيرات منهن تركيات.
النساء لدى الاتراك
شكلت ( اوغوش ـ العائلة ) نواة الحياة الاجتماعية للمجتمعات التركية منذ العصور القديمة. وكانت قبائل الأوغوز ( الغز) كما تؤكد الروايات تتحاشى أي شيء من شأنه إيذاء المرأة، أو إثارة سخطها. وتروي الأساطير وسير الرحالة على أن تلك المجتمعات كانت تكتفي بالزوجة الواحدة.
ويروي ابن فضلان الذي حل ضيفا على عوائل عديدة في هذا الموضوع :
(( شهدت منهم تصرفات تجاه النساء تنم عن المودة والاحترام. كان السادة والأبطال يتصرفون حسب مشوراتهن. وكان الأبطال ينادون نساءهم بـ " كوركوم " أي " جميلتي ". كان الزواج من امرأة واحدة اساسا في هذ المجتمعات )).
وكان فرسان الأوغوز يفضلون الزواج من فارسات يجدن الفروسية واستعمال السيف. وقد أبدى أحد الرحالة الأوربيين اعجابه بهن ووصفهن بأنهن " نساء شجاعات "، يحاربن كالرجال.
ولعل المثل الذي ورد في " ديوان لغات الترك " والقائل " مصارعات بصلابة يسابقن الفرس ". كما ورد في " الأوغوزنامه " بأنهن قد تولين إدارة القبيلة، يسلط الضوء على أهمية دور المرأة في هذه المجتمعات.
لم يكن إنجاب بنت مدعاة للعار كما في بعض القبائل، بل بالعكس كان تعبيرا عن الفضيلة.حيث أن بيجان بك، طلب من سادة أوغوز الابتهال إلى الله كي يرزقه ببنت. كما لعبت النساء دورا هاما في اعتناق الترك للدين الإسلامي من جهة وفي التقارب بين الحضارتين العربية والتركية. وقد بلغت هذه الاسهامة ذروتها في زمن الخلافة العباسية وعهد الإمبراطورية السلجوقية. وقد تبلور دور النساء في التقارب بين القوتين الكبيرتين بشكل أكثر جلاء في المجال الاجتماعي والذي استمر لسبعة قرون متتالية.
لم تختلف النساء في التاريخ التركي عن الرجال. فعندما حاصرت الجيوش الإسلامية بقيادة عبيدالله بن زياد في 673 م، بخارى كانت قبج أو كانيك خاتون تحكم بخارى وضواحيها وبموجب اتفاق مع عبيدالله تم التوقيع على اتفاقية السلام مقابل تزويده بألفين من المحاربين الترك الأشداء. وقد نقل القائد الأموي المحاربين الى البصرة واسكنهم في حي من أحيائها سمي فيما بعد بحي بخارى. هذه الحادثة مهمة من ناحيتين اولهما : أرخ وصول المقاتلين الترك العراق من الجنوب بداية الاستيطان.، وثانيهما أنهم أول وجبة من الترك الذين انخرطوا في الجيش الإسلامي. وأخيرا ان أميرة تركية لعبت دورا هاما في وصولهم الى العراق.
بلغت الدولة السلجوقية ذروتها على يد مؤسسها الحقيقي طغرل بك، ولعل اعتماده على العادة التركية القديمة في ضرورة اقتران أشراف القبيلة فيما بينها لتوطيد الأواصر السياسية وتمتين العلاقات سببا أساسيا في نجاح سياسته في إيصال الدولة إلى مرحلة الازدهار والاستقرار السياسيين. وكان ذلك أحد الأسباب المهمة في تزويج ابنة أخيه جاغري بك، خديجة أرسلان خاتون من الخليفة العباسي القائم بأمر الله.
وقد أصبحت العديد من النساء التركيات على ضوء هذه السياسة سيدات القصر العباسي. كما أصبح فيما بعد زواج الخلفاء العباسيين من هؤلاء تقليدا سار عليه العديدون منهم عليه.
اكتسبت هذه الزيجات أهمية سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية، وساهمت في تفعيل العلاقات العربية التركية فوق خارطة واسعة تدين بالإسلام. كما ساهمت في الثراء الثقافي بينهما والى توثيق العلاقات العسكرية. هنالك أسباب عديدة لتفضيل الخلفاء العباسيين هذه الزيجات منها، قوة الشخصية التي تمتاز بها الأم التركية، والتي تنعكس إيجابا على أبنائها. ولعل أهم مزايا الأمهات التركيات إلى جانب جمالهن وذكائهن الحاد ، هواشتراكهن في الحروب إلى جانب أزواجهن. إضافة لرغبة الخلفاء العباسيين في توطيد العلاقات مع المجتمعات التركية.
بطبيعة الحال لم تكن علاقات الزواج منحصرة بالجانب العباسي بل أن السلاطين الأتراك كانوا يعتبرون الزيجة من بنات الخلفاء بمثابة دخولهم في أواصر القربى من النبي ( ص) على أساس أن العباسيين هم أبناء عمومة الرسول. لذلك تزوج طغرل بك من ابنة الخليفة القائم بأمر الله، السيدة فاطمة. لم يكن زواج رجالات الترك من بنات الخليفة لغرض سياسي بحت بل كان بسبب محبتهم المتجذرة في أعماقهم للرسول (ص) ولذريته وأصهاره.
ان احترام الترك للنبي وذريته كان من المبررات الهامة لتقربهم من العباسيين أكثر من الأمويين. لذلك كانوا يعتبرون المصاهرة مع الخلفاء العباسيين والزواج من الأميرات العباسيات شرف ما بعده شرف. وليس أدل على ذلك من وصية ألتون جان خاتون لزوجها السلطان السلجوقي طغرل بك :
" أوصيك بالزواج بعد وفاتي من ابنة الخليفة العباسي فهم أبناء عمومة الرسول الكريم. بذلك ستنال السعادة في الدنيا والآخرة ".
لم تكن هي فقط مقتنعة بل بهذه القناعة بل توارثتها أميرات أخريات أمثال بيبي توركن خاتون وأبيش خاتون. ولم تكن هذه النساء أو غيرهن بارزات في الصعيد السياسي فحسب بل تركن في الحياة الحضارية والثقافية الإسلامية أثارا فاحصة، والتي انعكست في بناء المدارس والمساجد والكليات والمستشفيات لا يزال أغلبها يحمل أسمائهن.
وهناك بعض الآثار التي خلدت ذكر هذه الأمهات في بغداد والموصل ومنها جامع زمرد خاتون ببغداد، وقامت بتشييده زمرد خاتون أم الخليفة الناصر والتي توفيت في 1202 وفيه ضريحها .
وخلال خمسة قرون ( 750 ـ 1258 ) اقترن معظم الخلفاء العباسيين ( من مجموع 37 خليفة ) بسيدات تركيات في مراحل مختلفة منها على سبيل المثال لا الحصر :
ابنة ملك سمرقند، زوجة الخليفة المنصور. مراجل خاتون و ماريدا خاتون زوجتا الخليفة الرشيد. شجاعة خاتون زوجة المعتصم. جيجك خاتون، قطر الندى وسغاب زوجة المعتضد. كما تزوج الخلفاء العباسيين من 8 أميرات سلجوقيات :
خديجة أصلان خاتون زوجة الخليفة القائم بأمر الله . سفري، ماه ملك وآلتون خاتون، زوجات الخليفة المقتدي. كوموش و عصمت خاتون، زوجتا الخليفة المستظهر.أمينة وتورك خاتون زوجتا المسترشد. فاطمة خاتون زوجة المكتفي. زمرد خاتون زوجة المستضيء بالله. سلجوقة خاتون زوجة الخليفة الناصر بالله. تورك خاتون زوجة الخليفة الظاهر.
أما الخلفاء من أمهات تركيات فهم :
مراجل أم المأمون(لم تكن فارسية كما ظن البعض). ماريدا خاتون أم المعتصم. شجاعة خاتون أم الخليفة المتوكل. سغاب خاتون أم الخليفة المقتدي. آلتون خاتون أم الخليفة المستظهر. كوموش خاتون أم الخليفة المسترشد. زمرد خاتون أم الخليفة الناصر. سلجوقة خاتون أم الملك الظاهر. تورك خاتون أم المستنصر.
ومن المفيد هنا التحدث بإيجاز عن بعض الشخصيات النسائية التي لعبت أدوارا هاما في القصر العباسي في بغداد :
شجاعة خاتون ام الخليفة المتوكل
من أتراك خوارزم. أنجبت بعد زواجها من المعتصم سنة 205 هجرية ( المتوكل ). اهتمت بأعمال البر والإحسان وقد قامت بعد تولي ابنها المتوكل الخلافة سنة 237 بأداء فريضة الحج حيث رافقها ابنها الخليفة من سامراء الى النجف. وكان يرافقها أيضا حفيدها المستنصر.
بادرت بعد سماعها بجفاف النهر الذي يصل الى جبال الطائف وعرفات في الأرض المقدسة نتيجة تخريبات الى إرسال رسل للتقصي ولإصلاح النهر في أقرب وقت. حيث دفعت تكاليف المشروع من جيبها الخاص.
وثمة أثار تاريخية شاخصة في بغداد وواسط ومكة تحمل اسم هذه السيدة الكريمة.
توفيت شجاعة خاتون قبل مقتل ابنها المتوكل بستة أشهر، حيث صلى على جثمانها حفيدها المستنصر بالله. وقد دفنت في جامع المتوكلية وهو اليوم موجود بمنطقة ( أبي دلف ).
كتب عنها أحد المؤرخين قائلا :
" توفيت في هذا العام شجاعة خاتون. وكانت تتصف بالبر والتقوى ليس في العالم من يضاهيها في كونها أما لخليفة وجدة لثلاثة أحفاد تولوا الخلافة ( المستنصر والمعتز والمؤيد ) "
قطر الندى زوجة الخليفة المتعضد
وكان في القصر العباسي أميرتان تحملان هذا الاسم أحداهما هي أم الخليفة القائم بأمر الله وتدعى عالم. والأخرى ابنة حمرويه ذو الأصول التركية واسمها الحقيقي أسماء وقد لقبت بقطر الندى. وهي حفيدة أحمد بن طولون مؤسس الدولة الطولونية والذي ولد في العراق سنة 250 هجرية. ثم انتقل مع أبيه الى مصر حيث تزوج هناك ورزق بقطر الندى. ويكتفي المؤرخون بوصفها على أنها كانت ذات جمال خارق، وتمتاز بالذكاء.
جريا على عادة تلك الفترة فقد كانت التقاليد تقضي بتزويج الحكام بناتهم من عوائل ذات حسب ونسب. وقد فعل حمرويه ذلك أيضا بتزويج كريمته قطر الندى من الخليفة المعتضد بالله.
وقد جرت مراسيم الزواج وسط مشاعر فرح عارمة حيث وصلت قطر الندى بغداد في 282 هجرية. وأصبحت سيدة القصر العباسي، واستمر زواجها خمسة أعوام، حيث توفيت في ريعان شبابها 287 هجرية فدفنت ببغداد على مقربة من ضريح الإمام الأعظم في الرصافة.
خديجة أرسلان خاتون زوجة الخليفة القائم
تعتبر من أهم وأعظم سيدات القصر العباسي. وقد اقترنت بالخليفة العباسي القائم بأمر الله. أطلق عليها اسم خديجة تبركا باسم أم المؤمنين خديجة زوجة الرسول (ص).
وهي ابنة شقيق طغرل بك مؤسس الإمبراطورية السلجوقية، والمدعو جاغري بك واسمها الحقيقي أصلان خاتون. وقد تم الزواج بناء على رغبة عمها طغرل بك في مصاهرة الخليفة، بهدف تقوية دعائم الدولة السلجوقية ولنيل شرف مصاهرة سلالة الرسول الكريم (ص). وقد حرصت طوال سنوات زواجها من الخليفة التي يكبرها في السن على أن تكون الى جانب زوجه مهما كانت الظروف.
إلا أن خديجة أرسلان اضطرت رغم ذلك للبقاء بعيدا عن زوجها الحبيب بعد استيلاء القائد بصاصيري على بغداد، وقيامه بنفي الخليفة الى حديثة عانة عام 450 للهجرة، حيث ظلت تقاسي أثار المحنة التي تعرض لها زوجها رغم تكريم بصاصيري لوفادها وتسليمها الى أبي عبدالله بن جردة وهو من أعيان بغداد في تلك الفترة. وازدادت محنة خديجة أرسلان خاتون اثر وفاة والدها جاغري بك في خراسان بعد عام واحد من إرسال زوجها الخليفة الى المنفى.
وافق فيما بعد القائد بصاصيري الى إرسالها الى عمها طغرل بك. وفور وصولها الى هناك بادرت الى إرسال المال والملابس الى زوجها الخليفة المنفي. وقد اضطرت أمام الظروف القاهرة الى البقاء مع عمها حتى عام 445 للهجرة. وعند عودة الخليفة الى بغداد ثانية، بعثها عمها طغرل بك مع معونات ومؤن كثيرة. إلا أن الخليفة الذي أدركته الشيخوخة اعتزل أمور الدنيا، حيث انزوى متزهدا متعبدا دون ان يهتم بما يجري حوله. الأمر الذي أرغم أرسلان خاتون بعد موافقة زوجها للعودة ثانية الى بلادها حيث عمها طغرل بك الذي أدركته المنية سنة 454 هجرية. في عام 458 للهجرة بعث الخليفة القائم بأمر الله رسالة الى القائد ألب أرسلان شقيق زوجته خديجة أرسلان مهنئا إياه بنصره على البيزنطيين، وطالبا منه في الوقت نفسه أن يبعث بزوجته الى بغداد. عند عودتها الى زوجها الخليقة أقيمت مراسم الفرح في بغداد فرحا بقدوم زوجة الخليفة. واندفع سكان المدينة للخروج الى ضواحي المدينة للترحيب بقدومها. ولم يتحدث المؤرخون عنها بعد هذه الفترة قط.
آلتون خاتون ( ماه ملك ) زوجة الخليفة المقتدي
التون خاتون زوجة الخليفة العباسي المقتدي بالله، هي ابنة السلطان السلجوقي ملكشاه. أوفد الخليفة وزيره فخرالدين الى أصفهان مع هدايا ثمينة ليطلب يدها من والدها ملكشاه. عام 474 للهجرة. وتطلب والدتها توركان خانم، كشرط على موافقتها ضرورة وجود أم الخليفة وعمته في حفلة الخطوبة التي ستقام في أصفهان. بعد مرور أعوام خمسة على الخطوبة تتوجه ألتون خانم برفقة والدتها الى بغداد. ملكشاه قد وصل بغداد بعد فتحه بلاد الشام.
رزقت آلتون خاتون بعد عام من اقترانها من الخليفة، بصبي أطلق عليه اسم جعفر. وبلغ حب الخليفة بولده الى درجة إهمال زوجته التي نقلت شكواها الى والدها ملكشاه الذي يطلب بدوره من الخليفة أن يسمح لها بزيارة أصفهان مع حفيده جعفر. بعد بقائها فترة هناك تصاب آلتون خاتون بالمرض وتدركها المنية، فينقل جثمانها الى بغداد كما ينقل إليها جثمان والدها بعد وفاته في 485 للهجرة حيث يدفن في مقبرة جنيد.
كوموش ( عصمت ) خاتون زوجة الخليفة المستظهر
هي الابنة الثانية للسلطان السلجوقي ملكشاه، والتي تزوجت من الخليفة المستظهر بالله، حيث توجهت اثر ذلك من أصفهان الى بغداد في 504 للهجرة. وقد اشتهرت اسم زوجة الخليفة من خلال أشرافها على بناء قلاع فوق أبواب الحصون التي تبنى لحماية بغداد. كما تولت أيضا إصلاح الأحياء الفقيرة في المدينة. وبوفاة الخليفة المستظهر بعد ثمانية أعوام من هذا الزواج، يتولى العرش ابنه ولي العهد.
فاطمة خاتون
وهي حفيدة السلطان السلجوقي ملكشاه من ابنه السلطان محمد. وهو أحد أبنائه الخمسة محمود ومسعود وطغرل وسليمان وسلجوق الذين تولوا عرش الدولة السلجوقية جميعا. وقد لعب عمها السلطان سنجر وشقيقها السلطان مسعود دورا مهما في إتمام هذه الزيجة التي تمت في عام 543 للهجرة.
تؤكد المصادر التاريخية الى كونها سيدة فاضلة، قوية الشكيمة والعزيمة، أحبت أعمال البر والإحسان والتقوى. بعد نجاة الخليفة من حريق هائل أتى على القصر، قامت فاطمة خاتون في اليوم التالي من الحريق بالإيعاز الى الخليفة لإطلاق سراح جميع المساجين ابتهاجا بسلامته، وزعت فيه الكثير من المساعدات والمؤن على الفقراء والمحتاجين. لم تعش فاطمة خاتون طويلا بعد حادث الحريق، حيث توفيت سنة 542 هجرية، وقد صلى على جثمانها الشيخ أبو قاسم الحنفي وتم دفنها في الرصافة الى جانب ضريح حماها الخليفة المستظهر بالله.
يقول عنها المؤرخ الإنكليزي كاي تسترتيتس :
" امتازت فاطمة خاتون بحدة ذكائها وبصيرتها ودرايتها بالشؤون السياسية مما أكسبها شهرة واسعة. توفيت قبل زوجها المكتفي في مسجد القصر ودفنت وسط احتفال مهيب في الرصافة ".كما يؤيد هذا الرأي بدوره ابن خلكان في كتابه ( وفيات الأعيان ).
زمرد خاتون زوجة الخليفة المستضيء
زوجة الخليفة المستضيء بالله. قدمت من شرقي تركستان الى بغداد واحتلت مكانها كجارية في القصر العباسي. إلا أنها استطاعت ان تثير إعجاب الخليفة بجمالها فتزوجها سنة 552 هجرية، وقد أنجبت أحمد الناصر لدين الله الذي أصبح فيما من أهم خلفاء تلك الفترة.
انتقل زهد الخليفة وتدينه الى زوجته أيضا، والتي تفرغت لأعمال البر والتقوى والخير.ونظرا لانتمائها الى المذهب الشافعي، قامت ببناء مدرسة وجامع وضريح لها قرب ضريح الشيخ معروف الكرخي. وهو الضريح المعروف بمرقد الست زبيدة. وقد قامت بتأسيس وقف تبرعت بكل ما تملك للإشراف على المدرسة التي ألحق بها قسم داخلي لإقامة الطلبة القادمين من بلاد بعيدة في سبيل العلم وعينت فيه خير أساتذة وعلماء الفقه. كما قامت بإنشاء جامع جنوبي مدرسة المستنصرية الواقعة على ضفاف نهر دجلة. ويعرف هذا المسجد بمسجد الحفافين. وتعتبر المصادر التاريخية منارتها أقدم منارة في بغداد. والذي يعود تاريخه الى السنة السادسة للهجرة. وقد أقيمت منائر بغداد فيما بعد على طرازها. ويتفق العلامة مصطفى جواد كمعظم المؤرخين ان زمرد خاتون كانت محبة للخير والإحسان وأعمال البر والإصلاح، إضافة الى اهتمامها بالعلم والعلماء.
يقول عنها المؤرخ المعروف سبط ابن الجوزي بأنها " كانت امرأة صالحة. متدينة، تحب الخير والإحسان، اعتادت في موسم الحج على توزيع 300 آلاف دينار على الحجيج و كانت تنفق بسخاء على المحتاجين في مكة والمدينة عند وصولها لأداء مراسم الحج. كما كانت تهتم بشكل خاص بإصلاح آبار وينابيع المياه "
عند وفاتها في 599 للهجرة تأثر ابنها الخليفة الناصر لدين الله تأثر قل نظيره بين الخلفاء.
سلجوقة خاتون ام الخليفة الظاهر بامره
ولدت بمدينة قونيه بالأناضول في قصر والدها السلطان قلج الثاني الذي كان قد رزق بثلاث بنات. تزوجت من الأمير نورالدين أحد الشخصيات المهمة في الأناضول الشرقية. إلا ان انشغال الأمير عنها بمغنية في بلاطه أدى الى افتراقها عنه وعودتها الى قونية. وقد أدى ذلك الى تردي العلاقات بين الدولتين والى تطور الأمور بينهما الى درجة القتال بين جيشهما، وعند شعور الأمير نورالدين بأن الهزيمة ستلحق بجيشه لا محالة، استشار القائد صلاح الدين الأيوبي، الذي طلب منه إنهاء علاقته بمغنية قصره أولا والتودد الى زوجته ومحاولة إرضائها. كما طلب من جانب آخر من السلطان قلج الثاني ان يصفح عن صهره وقد فعل السلطان ذلك احتراما لطلب صلاح الدين. إلا ان الأمير نصرالدين توفي بعد ذلك بفترة قصيرة، عادت سلجوقة خاتون على أثره الى قصرها.
صادفت سلجوقة خاتون الخليفة العباسي الناصر لدين الله في إحدى زياراتها لبيت الله الحرام. حيث استقبلها لدى وصولها الى بغداد أحسن استقبال موفرا لها كل أسباب الراحة والاستجمام في قصر بني خصيصا لإقامتها احتراما من الخليفة العباسي لسمعة والدها السلطان قلج الثاني. وقد فاتحها الخليفة برغبته في الزواج منها في إحدى زيارته لها. وقد ردت عليه برقة قائلة، أنا الآن ذاهبة لزيارة بيت الله الحرام، لا أمانع عند العودة من الزواج بعد موافقة والدي. جريا على عادة ذلك الزمان تحركت حجيج من شتى البقاع الأناضول وأذربيجان وإيران وبقية المناطق التركية تحت رعاية سلجوقة خاتون وقيادة أمير الحج طاشتكين.
انجبت سلجوقة خاتون من هذا الزواج ولدين هما : أبو حسن الذي توفي في سن مبكرة والأمير أبو ناصر محمد الذي توفي في 622 للهجرة الموافق 1225 ميلادية وقد اشتهر خلال خلافته باسم الظاهر بأمره.
استمر زواج سلجوقة خاتون من الخليفة الناصر ثلاثة أعوام حيث توفيت وهي في الثلاثين من عمرها اثر مرض عضال. وقد تأثر الخليفة تأثرا بالغا لوفاتها تحدث عنه ابن الأثير قائلا :" خلفت وفاتها تأثرا بالغل في نفس الخليفة وقد شاركته رعيته في حزنه على هذا المصاب الجلل " ومن فرط تأثره أمر الخليفة بهدم القصر الذي عاش فيه معها أسعد أيامه، فلم يعد للقصر ورياضه الخلابة أهمية تذكر بعد فقدانه لزوجته الغالية. كما أمر بإقامة ضريح يليق بها يذكر المرء بتاج محل. وإكراما لذكراها بني زوجها الخليفة الناصر مأوى للفقراء وأبناء السبيل قرب هذا الضريح. وقد تحول قبر سلجوقة خاتون بمرور الزمن الى مزار يقصده العامة للتبرك. وهو ما دفع المؤرخ المعروف أبو الفرج الى وصفها " كان هذا المكان فيما مضى يشبه المعبد. واليوم تقام فيه الصلوات وتوزع النذور ".
يستنتج مما تقدم ان العلاقات الوطيدة بين الترك والعباسيين عاشت عصرها الذهبي مع تأسيس الدولة السلجوقية على يد مؤسسها طغرل بك ( 1040 ـ 1063 ) وحتى حكم السلطان السلجوقي قلج الثاني ( 1156 ـ 1192 ) لمدة قرنين متتاليين من الزمن حيث بلغت هذه العلاقات ذروتها بالتصاهر ساهمت في إيصال العلاقات بينهما الى الذروة. حيث يصح القول انه من النادر أن نجد خليفة عباسي لم يتزوج من أميرات تركيات أو خلفاء لا ينتسبون الى الترك من ناحية امهاتم. ولا عجب في ذلك فالمعروف عن السلاجقة عظم محبتهم لآل البيت وتفاتيهم في سبيل الإسلام. يقول محمد بن محمد مؤلف كتاب سلجوقنامه في هذا الخصوص :
" تصحفت التاريخ ويعلم المطلعون على بواطنه أن ما تحقق على أيدي السلاجقة من نظام وانتظام وتجسيد لمباديء العدالة والاستقامة ومراعاة مباديء الشريعة السنة النبوية، لم يحدث في زمن من سبقوهم من السلاطين. ليديم المولى ظلهم الى يوم الدين. "
المصادر :
-Abul Faraç، Gregory Bar Hebraeus، “Abul Faraç Tarihi”، trc: Ö.R.Doğrul، Ankara، 1987.
-Ahmed b. Mahmud، “Selçukname”، Tahk. E. Merçil، İstanbul،1977.
-Barhold W.، “Moğol İstlasına Kadar Türkistan”، Tahk. H.D. Yıldız، İstanbul، 1981.
-el Mesudi، “Mürücü’z-Zeheb”، Mısır، 1964.
-ez Zehebi، ”Siyerü Alamün - Nübebi”، Beyrut، 1986.
-İbn İmad، “Şezeratü’z-Zeheb”، Bağdat.
-İbn Tağrıberdi، “en-Nücumüz-Zahire”، Kahire، 1930.
-İbni Faldan، “Risaletü İnn Fadlan”، Tahk. S. Ed-Dahhan، Dımışk، 1960.
-İbnu’l-Esir، “el-Kamil fit-Tarih”، Beyrut، 1966.
-Köymen M. A.، “Tuğrul Bey ve Zamanı” İstanbul، 1976.
-Köymen M. A.، “Alp Arslan ve Zamanı” İstanbul، 1983.
-Mustafa Cevad، “Seyyidat el-Bilat el-Abbasi”، Bağdat.
-Sıbt İbnu’l Cevzi، “Miratü’z - zaman”، Mısır، 1960.
-Üçok B.، “İslam Devletlerinde Türk Nebiler ve Kadın Hükümdarlar”، Ankara 1981.
-Kitapçı Z.، “Abbasi Hilafeti’nde Selçuklu Hatunları ve Türk Sultanları” Konya، 1977
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق